رواية ضروب العشق بقلم ندى محمود توفيق
المحتويات
النهردا
زمت شفتيها بيأس وخنق من نبرته القاسېة وأنه لم يكلف نفسه لينظر لها فاشاحت بوجهها للجانب الآخر تتابع الطريق من النافذة فهي لم تستاء من رفضه للذهاب بل استاءت من طريقته وعنده الذي باتت لا تعرف إلى متى سيستمر وقد رغبت بالذهاب فقط من أجل أن تحظى بمزيد من الوقت معه وتحاول من خلاله إذابة بعض الثلج المتراكم على قلبه
عايزة تروحي فين
تهللت أساريرها في لمح البصر وزين وجهها بابتسامة جذابة لتجيبه بحماس جلى
أي مكان ودينا مكان على زوقك إنت !
رمقها بنظرة مطولة صامتا ثم أشاح بنظره وعاد ليثبته على الطريق وهو يتخذ بالسيارة طريق لمكان سيقضوا فيه وجبة الغذاء أو بالأحرى باقية اليوم !
ونزلت وعيناها معلقة على ذلك المنزل الذي أشبه بقصر قي ضخامته واتساعه ولكنه منزل ذو طراز قديم ويبدو إن الزمن قد ترك آثاره عليه حيث لونه بهت ومن ينظر له من الخارج يظنه مسكون بالأشباح وبينما هي تتأمل جماله الكلاسيكي رأته يتجه ناحية الباب فلحقت به مسرعة وفتح هو الباب بالمفتاح ثم دخل أولا ومن بعده هي كان المنزل من الداخل أكثر فخامة وجمالا حوائطه سليمة تماما من أي خدش ويوجد نجفة في الأعلى ضخمة ولكنها نظيفة كأنها تنظف كل يوم ! والأثاث مغطى بقماش أبيض اللون فاتجهت نحوه ورفعت القماش لتنكشف أمامها تحفة الأثاث الذي لا يبدو أبدا أنه صناعة مصرية فسمعت صوته وهو يهتف بهدوء
اقتربت منه ووقفت أمامه وركزت نظرها عليه هاتفة بترقب لإجابته بريبة شديد
ربنا هداك !!! وبعد اللي حصلك !! ممكن أعرف إيه اللي حصل معاك !
أجابها بخشونة وهو يتجه ناحية الدرج
لم تعلق كثيرا وقررت أنها ستحاول أن تعرف فيما بعد ما يخفيه عنها واتبعته شبه راكضة حيث وجدته صعد لآخر الدرج ثم اتجه نحو الغرف وفتح واحدة واحدة يريها إياهم وأحدهم كانت لكرم والأخرى لحسن وهذه لأبوه وأمه وتلك الغرفة تخص جدي وجدتي حتى وصل أخيرا عند غرفته وفتح الباب فتسبقه هي بالدخول وتتطلع في أجزاء الغرفة التي كانت عبارة عن فراش عريض يتسع لثلاث أشخاص وخزانة متوسطة من اللون الأبيض مثل لون الحوائط وحمام داخلي لونه بنى اللون مع لمعة مذهلة أما هو فقد استدعت ذاكرته كل ما مر به داخل هذه الغرفة التي شهدت على حپسه بين حوائطها الأربعة لشهور دون أن يدخل له سوى أبيه وأمه
وأنه
كان يتعاطى مواد مخدرة فحاول أبويه أن يردعاه ويعالجاه عن طريق منعه من الخروج حتى لا يلتقى بأصدقاء السوء الذين افسدوه ولكن الأمر لم يجدي نفعا حيث كانت حالته تسوء كلما يمر عليه الوقت وكان يخرج ليلا متسللا من الشرفة دون أن يشعر به أحد ويعود قبل استيقاظهم حتى جاء اليوم المشؤوم الذي فقد فيه صديقه بسببه هو فقرر أن يضع الحد لما هو فيه وطلب من أبيه أن يدخله مصحة ليعالج كما يجب أن يتم وبالفعل عاني أشد سنة مرت عليه في حياته
نظرت عيناه على جانب الفراش ولاحظ الكسر البسيط فيه لتعصف بذهنه ذكرى أخرى تعود ليوم معرفة أبيه وأمه بأفعاله فتلقى الضړب العڼيف من أبيه والتوبيخ والإهانة وكانت أمه تحاول منع أبيه عنه الذي كان كجمرة النيران المتوهجة وتدخل كرم محاولا أيضا تهدئة الأمر ونجح في تهدئة أبيه وأخرجه وتركه هو مع أمه تحاول مواساته وتلومه بعتاب وبكاء على فعلته
اخترقت فقاعة ذكرياته المؤلمة بصوتها وهي تقول بإعجاب
اوضتك جميلة أوي
أحس بأنه سيختنق أن بقى للحظة أخرى داخل هذه الغرفة فهتف بثبات مزيف
طيب كفاية بقى ويلا تعالي عشان الأكل على وصول
ولم ينتظر إجابتها حيث اندفع للخارج يتنفس بعض الهواء النقى عن هواء هذه الغرفة المخنق أما هي فتلفتت حولها پخوف من ذلك المكان المريب ولحقت به مسرعة لتجده قد وصل للأسفل ورفع أحد الأقمشة عن مقعد من المقاعد وجلس عليه يتنفس الصعداء بخنق وقد شعر للتو أنه أخطأ عندما اختار المكان وهو يعلم أنه لديه ذكريات مؤلمة لا يريد حتى تذكرها وقبل أن تقترب منه وتسأله عن سبب تغيره المفاجئ ارتفع صوت رنين هاتفه فأجاب وقد كان الطعام فخرج ليستلمه وعاد لها بعد دقائق فأخذته من يده وسألته عن مكان المطبخ فدلها عليه بإشارة يده وذهبت هي لتضع الطعام في الصحون أما هو فنزع سترته عنه ورفع القماش عن الأريكة الكبيرة ليتسطح بجسده عليها مغمضا عيناه في محاولة بائسة لاستبعاد هذه الذكريات عن ذهنه كانت تنقل الصحون من المطبخ على طاولة الطعام بعد إن قامت بمسحها من أي اتربة فوقها وكانت مثبتة تركيزها عليه باستغراب من أمره حتى انتهت فهتفت في هدوء
زين !!
فتح عيناه واعتدل جالسا ثم اتجه للحمام ليغسل وجهه ويديه و عاد لها جلس بجانبها على الطاولة وبدأ في تناول طعامه فخشيت هي أن تسأله فيجيب عليه بغلظة وفكرت في أن تمهد للأمر بطريقة مختلفة حيث سألت في ابتسامة عذبة
بس البيت باين عليه أن حد بينضفه علطول
آه عمي حسين اللي برا بيجيب علطول ناس تنظف كل اسبوع عشان لو حد فينا جه فجأة زي كدا يكون البيت نضيف
التزمت الصمت للحظات ثم
عادت تسأل من جديد بنبرة بها شيء من الحيرة
بس إنت ليه جبتني هنا ومروحناش مطعم أو أي مكان تاني !
غمغم بصلابة دون أن يرفع نظره لها وهو منشغل بطعامه
هنا أفضل في المطعم مش هتاخدي راحتك عشان النقاب واللي رايح وجاي قدامك مش هينفع تاكلي وأهو جبتك مكان جديد وجبتلك أكل المطعم لغاية عندك
حدجته بحنو وهمست بامتنان صادق بعد أن مدت يده لتضعها على كفه
شكرا إنك مكسفتنيش ومكسرتش بنفسي لما طلبت منك نتغدى برا
نظر ليدها التي على كفه ثم رفع نظره لها بنظرات ثاقبة وسحب كفه ببطء من أسفل يدها بعد أن أبدى على وجهه علامات الضيق وقال باقتضاب
العفو !
كانت الساعة قاربت على العاشرة مساءا عندما قرر كرم أن يذهب لوالدته ويضع حدا لكل شيء بعد أن شك بأنها تعرف مكان شفق ولا تخبره بالأخص بعد أن نفذت وعدها وقطعت الحديث معه نهائي وهاهي نجحت فيما سعت من أجله !
طرق على الباب عدة طرقات خفيفة هاتفا
ماما إنتي صاحية
اتاه صوتها وهي تجيبه بقوة
ادخل ياكرم
فتح الباب ودخل ثم أغلق الباب خلفه مجددا فوجدها تمسك كتاب القرآن الكريم بيدها وجالسة على الفراش ليتنهد بعمق ويقترب ليجلس بجوارها على الفراش متمتما في نظرات ثابتة
ماما إنتي عارفة مكان شفق مش كدا
أطالت النظر في وجهه ثم اشاحت بنظرها وقالت بكذب
لا معرفش
قال متوسلا إياها في نفاذ صبر
ياماما ابوس إيدك قوليلي هي فين ومتتعبنيش أنا فيا اللي مكفيني ومش هستحمل البنت تحصلها حاجة بسببي قوليلي مكانها خليني اروح واجيبها
أبت الرد عليه وتجنبت النظر في وجهه كدليل على رفضها لطلبه ليأخذ هو نفسا عميقا قبل أن يلفظ بهذه الكلمات من بين شفتيه في عدم حيلة
لو كنتي بتعملي ده كله عشان اوافق على اللي إنتي عايزاه فأنا بقولك أهو أنا موافق اتجوزها
لمعت عيناها بمجرد سماعها لكلمة موافق وطالعته بدهشة ممزوجة بالسعادة والابتسامة العريضة
وسرعان ما هتفت بفرحة غامرة
بجد
موافق ياكرم !!
أيوة موافق قوليلي بقى هي قاعدة فين
قالها بإيجاز
كالذي لا يريد أن يطيل في هذا الحديث لتبتسم هي وتهتف بهدوء
في البيت اللي في اكتوبر
وهي إيه اللي وداها هناك !!
تنهدت بحرارة ثم بدأت تسرد له كل شيء
هي كانت بتتكلم معايا في اليوم اللي مشيت فيه وبتقولي إنها عايزة ترجع بيتهم فأنا قولتلها لو هي مش مرتاحة هنا تروح تقعد هناك في الشقة وهتكون في آمان وخليت ابن الحج حسين يحرص شقتها ويخلي باله منها
فغر عيناه على آخرهم وهتف شبه منفعلا
ابن الحج حسين إيه يا أمي ! ده لو آخر واحد مأمنهوش على حاجة وإنت رايحة تأمنيه على بنت
وفيه إيه الولد محترم ومؤدب والله وعمري ما شوفت منه حاجة وحشة !!
مسح على وجهه مستغفرا ربه من فرط اغتياظه الداخلي وتمتم
طيب وتلفونها مقفول ليه !
ابتلعت ريقها بتوتر وتحدثت بتردد
أنا طلعت الخط بتاعها وشلته وهي افتكرت إنه ضاع فجبتلها واحد جديد
قال بابتسامة ساخرة
وطبعا ده كله عشان معرفش أوصلها وتجبريني أوافق والله ما عارف أقول إيه ربنا يصبرني !
ثم هب واقفا وهم بالمغادرة لولا صوتها وهي تقول بتوتر أشد
هي فاهمة إنك مسافر لشغل فلما تروحلها قولها إنك رجعت من السفر أنا قولتلها إنك مسافر عشان متقولش هو ليه متصلش حتى يسأل عليا
هز رأسه مغلوبا على أمره غير مصدقا لأفعالها التي كلها مكر هذه وانصرف ليلحق بتلك المسكينة قبل أن تتعرض للأذى على يد أي أحد !!!
كانت عيناها
متابعة القراءة