براثن اليزيد بقلم ندى حسن
تعالى هنا عايزاك
رأته يدلف إلى الغرفة بضيق وحنق شديد مرتسم على ملامحه وكان سببه هو العودة بأمر من والدته التي دائما تفعل ذلك ولا تجعله يجلس مع عائلة والدة وقف أمامها ولم ينظر إلى عينيها وضع وجهه في الأرض بسبب غضبه وحزنه مما حدث..
وضعت يدها أسفل ذقنه ورفعت رأسه إليها لتجعله ينظر لها تحدثت متسائلة بهدوء على مسمع والده الذي كان يعطيهم ظهره
نظر إليها بهدوء هو الآخر بعدما رآها تحدثه هكذا أنه يحب والدته كثيرا ولكنه أيضا يحب جدته ويريد البقاء معها لأنها وحيدة وتجلس وحدها دائما ووالدته لا تسمح له بفعل ذلك إلا إذا كانت معه
مفيش حاجه
لأ فيه.. أنت زعلان علشان رجعنا صح
لم يجيب على حديثها فأكملت قائلة بجدية وهي تحاول إقناعه أن الجميع حزن لذلك ولم يكونوا يريدون الرحيل
دون مقدمات وفجأة صړخ بها إياد وهو يبتعد للخلف بعيد عنها قائلا بصړاخ
أنت كدابة أنت مش بتحبي تروحي هناك ومش بتخليني أروح لوحدي.. أنت پتكرهي كل اللي هناك وپتكرهي تيته ومش عايزاني أكون معاها خالص
أنا مش بحبك.. لأنك دايما عايزة تبعديني عن يزيد ابن عمي فاروق وعن تيته.. طنط إيمان قالتلي كده
أغمضت عينيها بضعف بعد أن علمت من أين له هذه الكلمات يا لها من أفعى هذه إيمان حتى ولدها تريده أن يكون هكذا معها.. تريده أن يعتقد هذا الحديث الذي لا يوجد له أصل من الأساس!..
وقفت سريعا على قدميها لتذهب ناحيته وهي تحاول جذبه من زوجها الذي حضرت شياطينه بعد الاستماع إلى كلمات طفله
يزيد خلاص سيبه هو مش فاهم حاجه
نادته برجاء وقلة حيلة وهي تخاف من بطشه على الجميع وهو في هذه الحالة لقد كانت تعلم أنه سينفجر في أي لحظة وها قد أتى إياد ليفعلها
يزيد أرجوك
صړخ بها مرة أخرى پغضب وعصبية أكبر من ذي قبل
تعلم أن ما يقوله يفعله أبتعدت للخلف
وهي ترى ابنتها تبكي خوفا من حالة والدها الغريبة عليهم تحتضن قدميها بفزع انخفضت إلى مستواها وربتت على ظهرها لتحاول تهدئتها نظرت إلى يزيد بترجي لكي
يفلت ابنه ولا يكون قاسې معه..
استمعت إليه يقول له بجدية وحدة وهو يمسك معصمه بين يديه يضغط عليه بحدة ليكون ذلك عقابه ولكن الصغير لم يكن يريد أي عقاپ آخر فنظرة والده إليه تجعله ېموت خوفا وقد أدرك مدى الخطأ الذي فعله
أومأ إليه برأسه عدة مرات پخوف حقيقي وهو يريد الفرار إلى أحضان والدته ليحتمي بها من عصبية والده
حاضر.. حاضر
نظرت مروة إلى يزيد بكامل الحب والاحترام وهنا حقا لم تستطع التحدث بعد أن استمعت إلى كلماته..
استمع إياد إليه يكمل قائلا بجدية شديدة وعينيه تنظر إليه بحدة
مامتك بتحب كل اللي هناك ومش پتكره حد وهي دايما اللي بتتحايل عليا علشان نروح وأنا اللي برفض علشان عندي شغل كتير الكلام اللي قالته ليك طنط إيمان ده كدب متصدقش كلامها أنت شوفت عملت ايه هناك علشان تخلينا نمشي
أنا آسف.. أنا بحب ماما أوي بس أنا زعلان لأني كنت عايز أقعد مع تيته ويزيد
أجابه بهدوء بعد أن رأى أنه خائڤ منه ومعترف بخطأه
هنقعد معاهم كلنا كتير لكن لما طنط إيمان تمشي لأنها مش بتحب وجودنا وإحنا ماينفعش نقعد عند حد مش عايزنا
أومأ إليه ابنه مرة أخرى فتركه يزيد بهدوء وجده من تلقاء نفسه يتقدم من والدته وقف أمامها ناظرا إلى الأرضية بخجل ثم هتف
أنا آسف مش هعمل كده تاني أنا بحبك أوي مكنتش أقصد اللي قولته
رفع نظرة إليها وأكمل بعد أن خرجت دموعه على وجنتيه لأنه علم حجم الخطأ الذي فعله
ممكن متزعليش مني
تركت ورد ثم أحتضنته إليها وهتفت بهدوء في أذنه
مش زعلانه يا حبيبي
أنا عارفه أنه مش قصدك
أبعدته عنها ثم وقفت على قدميها وأخذت ابنتها معها قائلة
يلا علشان تناموا الوقت أتأخر
ذهب
جلست مع أطفالها حتى جعلتهم يخلدون إلى النوم أعتذر منها إياد في ذلك الوقت أكثر من مرة وتحدث قائلا بأنه لم يكن يقصد ما قاله وأنه لم يصدق حديث زوجة عمه ولكن غضبه وحزنه هم الذين تحكموا به وجعلوه يتحدث معها هكذا بدورها هي أظهرت له عدم حزنها بل وكأن الأمر لا يحزن من الأساس..
ولكنها كانت حزينة للغاية هي تذهب إلى هناك فقط لأجل يزيد وأطفالها ولأنها لا تريد أن تكون شخص سيء يحرم جده من رؤية أحفادها ومع ذلك في كل زيارة تتعرض لموقف سخيف كهذا هي أو أبنائها من قبل إيمان وتصمت قائلة لنفسها أنها لا تود أن تخرب كل شيء هم فقط ساعات يقضونها ويذهبون مرة أخرى..
ولكن هي قد تخطت حدودها كثيرا لقد وصل الأمر إلى أبنائها تريد أن جعل ابنها يظن السوء بها ويراها غير عادلة كارهه لعائلة والده!..
تتسائل حقا ماذا فعلت لها لتكون بكل هذا السوء.. إذا خمد عقلها عن التفكير بعائلته تفكر به هو تراه يريد العودة بكل جوارحه إلى موطنه الأصلي يريد تربية أبنائه وسط عائلته تراه يشتاق إلى كل شيء هناك وهي لن تفعل له ذلك مهما حدث..
دلفت إلى غرفة نومهم وأغلقت الباب خلفها بهدوء رأت باب الشرفة مفتوح وهو ليس بالغرفة إذا هو ېدخن في الخارج..
أخرجت ملابس بيتية لها من الخزانة ثم بدلتهم بهدوء وهي تفكر به وبماذا ستتحدث معه ذهبت إلى المرحاض دقائق وعادت وهي تجفف وجهها بالمنشفة..
ولجت إليه الشرفة لتراه كما توقعت ېدخن سجائره وقفت جواره بضع دقائق دون حديث فقط تنظر إلى الخارج وهو يتكئ على سور الشرفة وينظر إلى الخارج مثلها بشرود ويرفع السېجارة من الحين إلى الآخر على فمه..
وضعت يدها على ظهره بهدوء بعد أن أقتربت منه ونظرت له تحدثت متسائلة بخفوت
حنيت
نظر إليها هو الآخر ولكن نظرته مرهقة إلى حد كبير أنها تعلم ما لا يعلمه عن نفسه لاحظت اشتياقه إلى بلدته وإلى أهله دون أن يتحدث أو يفعل شيء يقول ذلك تسائل بصوت رجولي أجش بعد أن أبعد السېجارة عن فمه ونفث دخانها
أنت شايفه ايه
أعتدلت بوقفتها واستدارت بجسدها لتنظر له بعد أن أنزلت يدها عنه أردفت بجدية وهدوء ونبرة واثقة
شايفه أنك حنيت ومشتاق للقاعدة وسط أهلك
استدار هو الآخر ليكن مقابلا لها
وجها لوجه ألقى سيجارته على الأرضية ودعسها وهو يقول بجدية ونبرة واثقة من كلماته التي سيقولها
وأنا عارف إنك مش هتوافقي نقعد هناك بعد اللي حصل
ضيقت ما بين حاجبيها ورفعت يدها الاثنين أمام صدرها وأردفت متسائلة بخفوت وهي تود معرفة ما الذي يدور داخل رأسها
وبعدين
هتف وهو يبتسم بسخرية مرددا كلمتها رافعا إحدى حاجبيه وهو يقترب
منها
وبعدين.
أكمل بشغف وحب كبير يكنه إليها وإلى أطفاله الذي يفني عمره لأجلهم هم بالنسبة له أهم من أي شخص آخر ثلاث أشخاص بحياته يعنون له كل شيء
ولحاجات كتير أوي ومش هنكر إني ببقى مبسوط وإحنا كلنا مع بعض لكن النهاردة لما حسيت أن روحي بتتاخد مني بيني وبين نفسي قولت مش هدخل البيت ده تاني ولما شوفتك واقعه على الأرض وإياد بيحاول يهديكي لعنت الساعة اللي روحنا فيها هناك
أخذ نفسا عميق وزفره ترك يدها اليسرى ليرفع يده اليمنى إلى وجنتها يمررها عليها بحب وحنان قائلا
أنت وإياد وورد عالم خاص بيا لوحدي عيلتي وسندي يمكن أنا اللي مسؤول عنكم بس بحس إني مسنود عليكم انتوا كنزي في الدنيا دي يا مروة ومستحيل أخسركم أنا أخسر نفسي ومخسرش حد فيكم ولو على البلد اللي عايزنا يبقى يجلنا إحنا بيتنا مفتوح لأي حد
ابتلعت ما وقف بحلقها بينما هو وضع يده على خصلاتها يمررها عليها بهدوء ليستمع إلى صوتها الخاڤت وهي تقول
أنا كنت بروح هناك علشانكم علشانك أنت وإياد وربنا يعلم أن مش شايله في قلبي حاجه لحد وكنت بتعامل معاهم وكأن مفيش حاجه حصلت بس هي دايما ليها حركات سخيفة بتعملها علشان تزعلني والله كنت بعديها لأني كنت خاېفه أخرب بيتها وأهو ده اللي حصل في الآخر أنا اللي خرجتها من بيتها لما روحت هناك.. أنا مكنتش عايزة كده أبدا
أجابها بجدية متأكدا من حديثه
هي اللي خربت بيتها بنفسها وده اللي كان لازم يحصل من زمان لواحده زيها أنت مالكيش ذنب
أبعدت رأسها عن صدره وأردفت بحزن وهي تنظر إليه
إياد شايف إن أنا...
لم يجعلها تكمل حديثها والذي يعرفه جيدا تحدث هو بتأكيد وجدية وهو ينظر إلى عينيها
إياد ولد واعي ومدرك كل اللي بيحصل هو بس كان مضايق
لكن هو عارف إنك بتحبي تروحي هناك وعارف إنك بتحبي جدته الكلام اللي قالته إيمان ممكن يكون عمله تشتت ومع زعله خلاه يقول كده لكن هو عارف كويس مامته بتعمل ايه.. متفكريش في كلامه
أنت مش زعلان مني
ابتسم بتهكم وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا باستنكار ودهشة ثم أردف قائلا بصوت رخيم
هو في حد بيزعل من روحه بردو
عادت مرة أخرى إلى صدره تسند رأسها عليه بعد أن ابتسمت له باتساع أردفت قائلة بعد أن تذكرت
افتتاح المعرض الجديد بعد بكره هودي الولاد عند بابا مش هوديهم المدرسة تخلص شغلك بدري وتجبهم وتيجي ماشي
أكيد يا حبيبتي.. أكيد
بعد يوم
عاد يزيد من والزاهية كل شيء كان يراه هنا يعلم أنها من فعلته أنها تترك بصمة يدها في كل مكان بصمة بريئة نقية خالية من كل شيء سوى النقاء والرقة..
المعرض كان ملئ بالحاضرين رجال ونساء يعرفونه ويعرفونها والجميع كان يبدي إعجابه بما يراه من أعمال السيدة مروة طوبار زوجة يزيد الراجحي الذي لم يترك يدها أبدا..
توجهت مروة بعد وقتا إلى منصة صغيرة أمام جمع من الناس لتلقي عليهم كلمة صغيرة تتحدث بها عن أعمالها في الفترة الأخيرة والذي ازدهرت كثيرا..
وقفت
أمام الجميع بفستانها الأسود الذي أبرز جمالها وبياض بشرتها لقد كان يصل إلى كاحليها مغلق كليا من الأعلى ويهبط باتساع بسيط خالي من أي شيء سوى لونه الأسود وقفت تحمل ابتسامة رائعة تزفها إليهم جميعا ثم تحدثت بشغف وهي توزع نظرها عليهم وبين الحين والآخر تنظر إلى زوجها وأطفالها
مساء الخير يارب يكون الجميع هنا كويس ومبسوط معانا أنا مش هطول عليكم.. طبعا أنا واقفة هنا علشان أجاوب على الأسئلة اللي اتعرضت عليا واللي كلها بتتمثل في سؤال واحد
وهو إزاي قدرت أظهر مرة واحدة كده وإزاي ده تاني معرض بيتفتح في نفس السنة والفترة مش بعيدة يعني
صمتت لبرهة ثم أكملت حديثها قائلة مع تلك الابتسامة
الحقيقة أن السبب الرئيسي في كل ده مش أنا السبب هو حبيب وزوج وأخ وصاحب السبب هو أبو ولادي.. دايما بيقولوا وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة ده حقيقي لكن
المرة دي الراجل بجد هو اللي كان عظيم ومكانش ورايا لأ كان جنبي في كل خطوة بخطيها كان جانبي وبيشاركني كل نجاح ليا.. وبيساعدني في كل حاجه حتى تربية الأولاد وحتى شغل البيت.. والشيء ده مقللش منه كونه راجل بالعكس ده كبر أكتر وبقى كل حاجه في حياتي وحياة أولاده... أنا معايا راجل مش هيتكرر تاني أبدا
استمعت إلى التصفيق الحار من الجميع ونظرت إليه وهي تود أن تدلف داخل أحضانه لتختبئ من أعين الناظرين إليها رأته ينظر إليها بحب بل عشق لقد كانت نظرته إليها دافئة تحمل كثير من المعاني التي لم ولن تستطيع تفسيرها..
استمعت إلى يسرى التي كانت من بين الحضور هي وزوجها هتفت بصوت عال إلى شقيقها قائلة
روح جنبها خلينا ناخد صورة
رفع ورد على ذراعه وتقدم بخطوات ثابتة وأمامه ابنه إياد وقف أمامها لينحني قليلا مقبلا جبينها بسعادة تبادلة إياها..
وضع ورد على ذراعه الأيسر وحاوط مروة بذراعه الآخر بينما وقف إياد أمامها لتأخذ لهم العدسة صورة بهذه الوضعية وهم يبتسمون والسعادة تكاد تخرج من عينهم هم الأربعة..
كما هو ولكن استدار برأسه ينظر إليها لتفعل المثل وتستدير برأسها وتبادل كل منهم النظرات العاشقة وأعينهم مثبته على بعضهم البعض والابتسامة لم تفارق وجوههم لتأخذ العدسة هذه اللقطة هي الأخرى والعشق هنا هو المتحدث..
ثم بعد تدابير القدر في الزواج المجبر نرى تشتت واضح كڈب وخېانة ومن خداع إلى حب ينتقل إلى عشق ومن ثم ألم وفراق يأتي بروح تزهق وتخرج للسماء بعدها فقط يأتي العوض ومن بعده تبتسم السعادة متحدثة عن العشق والهوى الذي احتل مملكة اليزيد محولا براثه إلى عشق خالص نقي برئ من كل شيء سوى مروة و يزيد التي أخلفت رياحهم بعدها ب إياد و ورد..تمت بحمد الله
رواية براثن اليزيد للكاتبة ندا حسن