رواية ميراث الندم للكاتبة امل نصر

موقع أيام نيوز


إرادتها مزعنة لأمره تاركة الأخرى والاتفاق المبرم بينهما في مواجهة صريحة معه وقد نهضت والدتها هي الأخرى على الفور متحججة بعمل مشروب ساخن له
طب انا هعملك كوباية شاي 
ظلت انظار روح معلقة بهذه المسكينة التي ظلت تناظرها باستجداء لتعود اليها وقدميها تتحرك نحو المغادرة ببطء شديد جعل شقيقها يزأر بنفاذ صبر

روووح 
بكلمته الفاصلة والنداء باسمها اضطرت على الفور لتنفيذ الأمر وظلت هي تنظر في اثرها تأمل ان تعود اليها قبل ان تنتبه على قوله
عايزة تمشي!
صدر السؤال بجمود ماثل هيئته مما زادها اضطرابا ليخرج ردها بخفوت نتيجة لصعوبة الموقف اللعېن الذي وضعت به
انااا بجول كدة أحسن يعني عشان 
عشان ايه
تبا لماذا يصر على إحراجها ألا يكفيه هيئتها الان وكأنها
فأر علق بالمصيدة أمامه
هذا ما اردفت بها داخلها وهي تسمع لنبرته القاسېة وعينيه منصبة عليها بتركيز تام متسائلا عن طبيعة المرأة التي أمامه هل هي الملاك الذي ظل على حلم بلقاءها لعدد من السنوات قاربت لنصف عمره أم تلك اللعوب التي تحدثت عنها زوجته اللعڼة عليها هي الأخرى نفض رأسه سريعا ليعود اليها بالتوضيح مباشرةا
لو كان جاصدك ع الكلمتين اللي سمعتيهم 
توقف متابعا لارتباكها الشديد فور ذكره للأمر
والتعرق الذي انتشر بأنحاء وجهها قبل أن يتابع بلهجة خشنة خلت تماما من أي تأثر رغم خناجر الألم التي كانت تحفر داخله بعمق
متشليش هم انا راجل كبير واكيد فاهم ان ليكي اسبابك اللي دفعتك تجولي كدة 
تسرب إليها بعض الارتياح لتحاول ان تلتقط انفاسها ولكن كان ذلك قبل ان يجمد الډماء بعروقها فور ان تابع لها باستفساره
بس انا بجى عايز اعرف السبب اللي خلاكي تجولي كدة عليا
برقت عينيها امامه بإجفال شديد سرعان ما سيطرت عليه تبتلع ريقها الذي جف بحضرته ورأسها تدور في اختلاق أي قصة تنفيذا لتوجيهات روح التي نفذت بجلدها وتركتها وحدها 
ما تردي ساكتة ليه
وصلها صوته للمرة الثانية بهذه اللهجة الجديدة عليها لتضطر اخيرا للرد عليه متكتفة الذراعين وابصارها للأمام بعيدا عنه
ممكن مجاوبش ع السؤال اللي حصل كان غلطة في حجك وانا معترفة بكدة 
مش موضوع غلط 
زفر يخرج دفعة من هواء مكبوت بصدره يستطرد
الموضوع انك قارنتي بيني وبين جوزك المرحوم اينعم انتي صغرتيني لأجل من الربع 
شدد ع الأخيرة ثم واصل
بس تمام انا مجدرش اللوم عليكي دا حجك تجدريني في الحجم اللي انتي شايفاه لكن المهم بجى ليه
لو كانت الكلمات مسننة وتذبح لكان رأى بنفسه حجم الچروح التي فعلها بها وهي بالفعل تعطيه الحق ولن تلوم عليه رغم تضيقه عليها الان واصراره على معرفة الاسباب التي قد تأتي بنتائج غير محسوبة بالإضافة لإذلال تشعر به من الان وهي ليست على استعداد لمواجهة هذا الأمر
أغمضت عينيها پألم تجيب بصوت بح من هول ما يكتنفها في هذه اللحظة
أنا جولت اني غلطت ولذلك منعا للمشاكل والإحراج ياريت تعفيني من أي كلام تاني اخويا خلاص زمانه على وصول 
كمان اتصلتي باخوكي عشان ياخدك دا الموضوع كبير بجى وانا مش واخد بالي 
نهض عن مقعده ف انتبه على لمعة الدموع التي تحتجزها بصعوبة امامه ليردف بحزم
انتي جيتي هنا بعد انا ما اتعهدت بحمايتك انتي وولدك والكلام ده مفيش منه رجوع يعني مكانك معززة مكرمة مفيش حاجة هتضايجك من هنا ورايح حتى لو كنت انا نفسي!
له 
عاد مساء والساعة تعدت الثانية بعد منتصف الليل 
يجر اقدامه بعدم اتزان جسده يهتز قليلا بترنح فرأسه التي اعتادت على المكيفات أصبحت لا تتأثر إلا ان زادت الجرعات مثلما حدث اليوم فقد افرط في الشراب نتيجة لشروده في الفكر الذي سيطر على ذهنه هذه الايام حولها شوق يأكل في جسده من وقت ان رأها على هيئتها الانثوية في خلوتها وقت ما كان يراقبها نائمة ليته ما فعل فقد تجددت برأسه اشياء ظنها دفنت واندثرت خلف كره كان يدعيه زورا عندا فيها وفي والده تبا ليته سمع لصوت الشوق بداخله ولو لمرة واحدة قبل ان تتوسع الهوة وتصبح الأماني ضړب من ضروب المستحيل على الرغم من انها حقه 
زفر يسقط بثقل جسده على طرف التخت حتى اهتز من اسفله ف استيقظت زوجته لترمقه متسائلة ببعض الوعي
انت رجعت يا فايز
سمع منها السؤال ليلتف بجذعه يلوح بكفه امامها بقرف مرددا
ايوة رجعت نامي انتي نامي 
جذب انتباهاها لتنهض بجذعها باستفاقة جيدة تخاطبه
انام انام وانت جاي دلوك على وش الفجر طب افتكر ان وراك سرحة في المصنع هتلحج تريح ولا تنام امتى 
طالعها بملامح ممتعضة يجيب بقرف وهو يخلع في ملابسه
متشغليش نفسك بيها دي انا اساسا مش سارح بكرة الشغل واخد اجازة استريحتي
واخد اجازة كيف ده احنا بكرة الخميس مش الجمعة 
زام بتذمر غير متقبلا لاعتراضها
يووووه انتي يا مرة انتي عايزة نكد على اخر الليل جولنا اجازة وخلصنا هتدخلي كمان في اللي ملكيش فيه 
نهض بخطواته المائلة ليردف متجها نحو الحمام
مرة زي البومة طيرتي الكاسين اللي دافع فيهم ډم جلبي جبر ياخدك 
ظلت تطالع أثره حتى اختفي يصفق باب الحمام بوجهها لتتمتم في اثره بغيظ شديد
بجى انا بومة يا فايز وبتدعي عليا بالمۏت كمان 
صفقت كفيها ببعضهما تتابع بتوعد
ماشي يا ولد سکينة ماشي بكرة نعرف اخرك ايه لكن والنعمة ما هرحمك ساعتها لو عرفت انك ناوي ع الغدر ونشوف مين فينا اللي هيسبج
عارف 
هو انا معيوب
سأله بنبرة اختلطت ما بين يأسه وألمه والذي شعر بها الاخر ليرد على السؤال بسؤال
لو كان ع العيوب ف احنا كلنا معيوبين ومحدش فينا كامل يعني مش انت بس ليه بجى بتجول كدة
زفر يميل بجسده للخلف حتى استند برأسه
على الحائط من خلفه يطالعه بصمت في جلسة جمعتهما وحدهما بمندرة الحاج يامن والد عارف وشقيقان اخرين هما عبد الباسط وعبد البر
الحاج يامن وهو عم غازي الذي يتمتع ببعض الحكمة باختلاف تام عن سعيد والد فتنة وناجي والذي كان يطمع دائما في تولي الزعامة على العائلة فكان زواج ابنته من غازي بتخطيط من الجد الكبير وقد كانت مكتملة الصفات بالنسبة للجميع ولترضية ابنه القانط على تولي شاب صغير ما هو حق له 
عكس يامن والذي كان اهتمامه منصبا على التعليم والإصرار على اكمال شباب العائلة دراستهم بالكليات العليا كما فعل مع غازي وابنيه الآخرين وعارف الذي كان يتمعن النظر بابن عمه الان بشك جعله يسأله على الفور
غازي هو انت بتحب 
تلقى السؤال بفتور يجيب عنه
وايه فايدة اني ارد ع السؤال مدام مفيش أمل
وعلى عكس المتوقع جاء الرد من عارف بابتسامة خجلة في البداية ثم سرعان ما تحولت لضحكة صاخبة استفزت غازي لينهره بانفعال
خبر ايه شوفتني جولت نكتة جدامك ياك
رد عارف من بين ضحكاته التي لم تتوقف
اصل بصراحة كنت فاكر نفسي بس الوحيد اللي بجولها الجملة دي جبل ما اكتشف ان انت معايا في نفس الأمر 1 انا وانت فجر يا غازي 
اكمل مقهقها حتى اصاب الاخر بالعدوى ليشاركه السخرية على سوء الحظ الذي يتميزان به دونا عن الجميع 
حينما توقفا اخيرا جاء قول عارف مباغتا له
نادية بت عمك هريدي صح
اجفل ليعتدل بجلسته متحفزا باستفهام
ايه اللي جاب سيرة اخت عزب في الموضوع خبر ايه يا عارف ماتخلي بالك 
ردد عارف مؤكدا له بتقرير
أخلي بالي من ايه دا انا شوفت نظرتك ليها المرة اللي فاتت وفهمت لوحدي الحاجات دي متخفاش على واحد زيي يا عم الحج خصوصا مع شخصية زي شخصيتك دوغري ولا ليك في البص ع النسوان ولا حتى كان عندك تجارب عشان تاخد بالك 
لم يعد هناك جدوى للنكران فصديق روحه عارف كان اقرب الأشخاص له قديما وما زال أكثرهم تفهما له رغم ابتعاده عنه لفترة تعدت السنوات توقف قليلا بتردد قبل ان يقر باستسلام
لكنها مبتحبنيش يا عارف ولا عمرها هتبصلي انا شوفت وسمعت بنفسي رأيها فيا مهما اتكلمت ولا جولت مش هجدر اوصفلك خيبة الأمل اللي حسيت بيها 
لم يكن في حاجة للتفسير أكثر من ذلك فقلب عارف المعذب والذي يتلوى بڼار العشق من طرف واحد على مدار سنوات عمره فهو اقدر الناس على التجاوب معه 
ما تلومهاش يا غازي حتى لو سمعت وشوفت بنفسك ما تلومهاش انا عارفك ومجدر اللي انت فيه بس مكدبش عليك يا واد عمي حاسك متسرع ومندفع في الموضوع ده رغم ان دي طبيعتك على فكرة بس في الحاجة دي بالذات مينفعش معاها الكلام ده دا غير ان انت كمان 
متجوز ومخلف 
خرجت من غازي ليكمل على قوله
انت صح في كل كلامك يا عارف شكل كدة جلة التجارب زي ما بتجول هي فعلا اللي خلتني اندفع في مشاعري بس انا خلاص عرفت غلطي ورضيت بنصيبي حتى لو هو مش راضي بيا 
اطرق الاخير رأسه بأسف مخرجا زفرة محملة بالأسى على حال ابن عمه وهذه المرارة التي تقطر من كلماته لقد اوجع قلبه الموجوع من الأساس ليزيد عليه بقوله
بعدت عني ليه يا عارف كنت محتاجك جنبي جوي الفترة اللي بعدنا فيها دي انا لوحدي يا واد عمي رغم كل الزحمة اللي حواليا الراجل برضوا دايما محتاج راجل يجف جنبه دايما يشاوره ياخد رأيه واحنا الاتنين بنكمل بعض 
ابتسامة عزبة غزت ثغر الاخير ليعقب عليه
يا سيدي واديني رجعتلك من تاني ومدام الحال من بعضه يبجى اتلم المتعوس على خايب الرجا 
قالها ليعود للضحك مرة أخرى وغازي يشاركه ويتبادل معه النكات والحكايات الطريفة على المتعوسين من أمثالهم 
في اليوم التالي
خرجت بعادة اتخذتها منذ
شهور ولم تنقطع عنها ان تذهب كل يوم خميس في زيارة لقبر ابنها المرحوم تقرا من ايات الذكر الحكيم وتوزع الأقراص التي تقوم بصنعها بنفسها على الأطفال ثم تسقي النباتات التي قامت بزرعها بجواره 
ولكنها هذه المرة تفاجأت باخر شخص تتوقع رؤيته يحتل مكانها اليوم على البقعة التي تجلس بها
فايز 
التف برأسه نحوها وفمه يردد ببعض السور القصيرة التي ما زال يحفظها ثم عاد يندمج فيما يفعل كتمت هي بداخلها زفرة حانقة لتجلس في الناحية الأخرى تتجاهله عن عمد وتفعل روتينها المعتاد في هذه الأوقات 
حينما انتهت اخيرا وتوجهت للمغادرة وجدته يسير بجوارها يخاطبها 
عارفك مستغربة بس دي مش اول مرة على فكرة انا كذا مرة اجي هنا واقرا واترحم عليه زي ما شوفتي وبعمل كدة مع ابويا كمان اللهم يرحمه 
رمقته بملامح مغلقة ثم ما لبثت أن تتابع طريقها وكأنها لم تسمع شيء فتابع لها
اوعي
تفكري ان انتي بس اللي زعلتي عليه لا يا
سليمة ده مهما كان برضوا ولدي والضفر عمره ما يطلع من لحمه حتى لو كان في ما بينا مصانع الحداد
شبه ابتسامة ساخرة اعتلت ملامحها لتتوقف فجأة وتسأله مباشرة
صدجت انت بموضوع الضفر اللي ميطلعش من لحمه ع
 

تم نسخ الرابط